Pages

Tuesday, January 10, 2012

أهذا حقا ماتريد؟

صيف حار واجازة طويلة بعد عام مرهق....ونوم بلا موعد وصوت رسالة ….خدمة التنسيق الإلكتروني من بوابة الحكومة المصرية...اسم الكلية أو المعهد/ كلية الصيدلة...اسم الجامعة/ جامعة القاهرة...أمي...سعيدة ...أو بمزيد من الدقة في أسعد حالاتها كما تكون دائما في لحظات نجاحي أنا أو اخوتي...فلم أعهد لها اهتماما أكبر منا...ولم أجد لها مايرضيها اكثر مما يسعدنا....ولا مايحزنها اكثر من معرفتها بإرتكاب أحدنا خطئا كبيرا أو حينما يكون أحدنا في مشكلة. "كلمي بابا قوليله"..هكذا قالت..."الحمدلله يا حبيبتي....مش ده اللي إنتي عايزاه؟" هكذا قال...وأقسم أنني لم أنس هذه الجملة لحظة ولن أنساها أبدا.

لا أعلم إذا كان ذلك ماكنت أريده حقا ام لا....ولكنني أعلم أنني كنت سعيدة حينئذ..وأتذكر حينما ذهبت أنا وصديقتي عالية وسلمى إلى الكلية يوم تسليم الملفات...وكانت العلامة “لافتة النشاط الصيفي" التي كانت أمام باب الكورنيش (الباب الذي لم أره مفتوحا الا وانا في السنة الثانية)...وأذكر كيف كان شكل الكلية والمباني....ليس هذا الشكل الذي أعرفه الآن...كان شكلا كئيبا مظلما رغم شمس الصيف الحارقة...وكيف دخلنا إلى مدرج الدراسات العليا بلونه الرمادي الكئيب وسقفه المرتفع الذي تسكنه العناكب وتحلق في أفقه الطيور تحلم بحرية يأذن لها بها عامل المبنى حين يفتح أحد النوافذ...أو استراحة تقضيها على احدى وحدات الإنارة المعلقة في السقف تنظر في اثنائها حولها وترى العالم الآخر وماذا يصنع. وأذكر أول يوم في الدراسة...وكيف كان يوما حزينا...بداية من أني أضعت تذكرة المترو فأوقفني االأمن لدفع الغرامة فلم أجد محفظتي....و محاضرة حسن صوف التي قضيتها على الأرض....حتى أنني لم أرتدي ماكنت أرتديه ذلك اليوم وإني لأذكره حتى يومنا هذا وأحتفظ به لعله يجلب لي الحظ يوما!

لم أعلم إذا كان ذلك ماأريد ام لا....قد يكون السبب أنني لم أعرف ماأريد …أو لم أؤمن بما أريد...لا أعرف السبب...ولكنني أعرف أنني اخترت ذلك بمحض ارادتي....لم أكن كأغلب من في سني ممن "استخسروا مجموعهم"...ولا ممن أجبرهم أهلهم على قرار معين....ولا ممن "مجتلوش طب فدخل صيدلة يا حرام"....لقد أخترت ذلك....بناء على اعتقاد ان في ذلك السعادة .

ماهي السعادة؟ ومن يحدد معاييرها؟ هل سعادتنا كلنا واحدة؟ لو كانت كذلك …فلم لا نكون أصحاب حياة واحدة...نحيا كما يحيا الآخرون؟
لا أرى سعادتي في "الدكترة"...ولا في الزواج من واحد ابن ناس ومحترم وبيشتغل شغلانة محترمة...ولا أعرف من الذي يقيم احترام الأفراد ومهنهم...ولا كيف قررت ذلك تلك السيدة التي كانت تبحث لشاب على “عروسة في كلية صيدلة بس لسة متخرجتش تكون محترمة وبنت ناس" فلجأت لإحدى صديقاتي التي قامت بدورها “بزحلقة" تلك المرأة قائلة: "أصحابي مش بيحبوا الطريقة دي" فردت عليها المرأة قائلة: "أُمّال هيتجوزوا ازاي؟ البنات المحترمة بتتجوز كده"....إذا كان هذا أحد شروط الحصول على الاحترام فـسأفخر بكوني غير محترمة....بغض النظر عن إن الإنسان لا يحتاج إلى شهادة حسن سير وسلوك من المجتمع حتى يستطيع ان يحيا كريما....فكل حسابه عند من يعبد...وقد يرى غيري ماأراه تقليلا لذاتي وامتهانا لكرامتي وعقلي …قد يراه طريقة طبيعية للبحث عن السعادة التي تتمثل في الجوازة التقليدية التي تتضمن الفرح التقليدي والمسكن التقليدي والحياة التقليدية....أعتذر...الوصف بعد التصحيح: السعادة التي تتمثل في الجوازة المحترمة والفرح المحترم والمسكن المحترم والحياة المحترمة....ولا أعلم من الذي يحترمها ولكن من المؤكد أنه هناك أناس "محترمون" يحترمون ذلك.

لا أعتقد ان سعادتنا واحدة...فلماذا نبحث عن شيء واحد؟ لماذا لا يستطيع كل واحد ان يرى سعادته فيم يحب؟ هل لأن الوصول إلى السعادة متعب؟ ألا تستحق منك ذلك التعب؟ ألا تستحق ان تكون سعيدا فيم تعمل؟ ألا ترى قيمة تلك السعادة أعلى من ان تتركها أمام متاعب الدنيا و كلام الناس؟ ألا تستحق ان تحيا مع من يشاركك حياتك وأحلامك ويفهمك؟ ألا يستحق ذلك منك ان تنتظره وتتحمل قرف “المحترمين"؟ ألا تستحق ان تتعب من أجل سعادتك ام أنها "مش جايبة همها؟"....هل أستحق أن أعاقب نفسي ماحييت على قرار خاطئ اتخذته ثم تعلمت منه؟ هل عليَّ أن اظل في تعاسة لمجرد أني اخطأت؟ ولنفرض ذلك....متى سأفعل ماأحب إن كنت سأعيش مرة واحدة؟ هل ذلك يرضي من أحب من أهل وأصدقاء؟ مما أعرفه عن مفهوم الأهل والأصدقاء أنهم من يفرحون لفرحك ويحزنون لحزنك...فهل تعتقد أن سعادتك ستؤلمهم؟ هل سيسعد أحد بالنيابة عنك؟ فلماذا يبحث أحد عن السعادة لغيره؟

كل له حياة واحدة....فليختر ماشاء...وليسعد بما شاء وكما شاء....صوابه وخطؤه فيم يعتقد وحسابه عند ربه وليس عند المحترمين...وليسأل كل نفسه: أهذا حقا ماتريد؟