Pages

Friday, April 20, 2012

الوطن

هذا المقال للمتفائلين فقط
( إذا كنت من المتشائمين أو ممن يرون المعنى السلبي في القصص فأنصحك ألا تكمل القراءة...فلن تجد مايفيدك فيم سأقول.)

يوم الخميس....محطة مترو جمال عبد الناصر....كعادتها...ولكن ليوم الخميس طابع خاص. مهرولون من كل اتجاه يتجهون نحو رصيف المترو بعد عمل....وآخرون يبتعدون عنه بحثا عن نهاية سعيدة لأسبوع شاق في "خروجة حلوة" أو شيء من التسوق أو حتى بعض من "الحكاوي" مع أحد الأصدقاءلا أعرف سر حبي لوسط البلد....قد يكون ارتباطها بذكريات أحبها أو لأنها تمثل لي القاهرة....المليئة بالحياة ...بمختلف الأشكال والمفاهيم ...فترى في طلعت حرب الراجلون منهم الحبيبة.....ومنهم الأصحاب...ومنهم من يمشي وحيدا متأملا في ملكوت الله زي حالاتي....ومنهم من ترى فيه نظرة الأب الذي تكمن سعادته في سعادة أبنائه....أو ابتسامة أم عطوف تنظر في عين أبنائها أمام أحد محال الحلوى بعد يوم دراسي طويل....أو ايمان من يهتف بحقه كاسرا كل حاجز....وقد ارتبط ذلك عندي بوسط البلد حتى قبل الثورة ...ولن ترى أزحم من طابور الآيس كريم أمام العبد والذي يملأ شارع شريف حتى أنني أظن أحيانا أنه أطول من طابور العيش ولا اتساءل أيهما أفضل...آيس كريم العبد أم آيس كريم جروبي بالفستق اللي طلع اصلا
بالكانتلوب؟


لا أعلم حقا ما السبب...ولكن ماأعرفه أن كل "تفصيلة" من التفاصيل الصغيرة فيها تعني لي الكثير....وان كل شارع يعني لي ذكريات...وكل وجه يعني لي حكاية .....وال مجمل يمثل لي جزءا من وطن....من حياة ....من كيان يتمثل في شخصي وفكري وتصرفاتي ويعبر عنها....قل أو زاد...شئت أم أبيت...وتذكرت أغنية "منطقتي" التي سعدت بفكرتها كثيرا لترسيخها معنى الانتماء رغم ان الأغنية لم تعجبني أصلا

سامحني فلم أكتب ماأكتب الآن "عشان أكدرك"....ولكنني - ولأول مرة- أشعر وأتأمل في فكرة الوطن....وفي الواقع لا أعلم إذا كانت كلمة الوطن هي ماأعبر عنه فعلا ام أنني لم أجد الكلمة المناسبة....ولكنني فكرت في كل من لا يستطيع أن يشعر بما أشعر به في وسط البلد....من لا يرى ذكرياته ولا يسمع حكاياته....ولا تصل فكرة "الصرمحة" في تلك الأماكن إلى مخيلته أصلا...وأعني في ذلك كل مغترب عن أرضه بغير إرادته....أعني من قهره الظلم....من حوله الطغيان من مواطن ذو كرامة....مشارك فعال....له حقوق...يمتلك...صاحب اليد العليا والكلمة الأولى "واللي مش عاجبه يدب صوابعه في عينه"....حوله إلى لاجئ....ينظر إليه الجميع نظرة شفقة....يحيا على عطف الغير ...تذوب الكلمات على شفتيه قبل خروجها.....ويجاهد الأمل في العودة إلى الوطن شعوره بالعجز أمام ما أخرجه من بلاده رغما عنه....ولا تدري أيهما سينتصر.

لا أعني فقط الفلسطنيين ممن يحتاجون إلى تصاريح لزيارة أراضيهم....وقد لا يحصل بعضهم عليها....أو ممن تجتمع أسرهم على أرض محايدة حتى تجمعهم مناسبة.....فحلم مائدة إفطار رمضاني يجمع العائلة أو عيد ينتظره الجميع أبعد مايكون عن الخيال....ولكن يبقى الأمل

ولا أعني فقط من شردوا من أراضيهم السورية ....لا يعلم أفراد الأسرة عن بعضهم البعض الكثير....كل كما تحمله الأقدار إلى الأرض المكتوبة....ولا مواعيد للعودة.....ولكن يبقى الأمل.

ولا أعني فقط من الأفغان من لم يذق طعم الوطن في وطنه طوال 24 عاما أو أكثر....لا يتبدل الوضع مع تبدل أنظمة الحكم....لا تتبدل الأرض ولكنها تتبدل.....بلاد لم تعد كبلاد....وأناس عادوا ذكرى وثقافة مندثرة (راجع الحياة في أفغانستان قبل حكم السوفيت).....ولكن يبقى الأمل.

ولا أعني فقط دولا تسمى من العالم الإسلامي أو حتى شركاء في الانسانية لا يذكرهم أحد رغم مايعانون كبورما ودول القوقاز وفيتنام وغيرهم.....ورغم أننا نملك مساعدتهم حتى ولو بـبعث الأمل.

ولكنني أعني كل من رضي أن يتنازل عن وطنه ....عن جزء من كيانه بتنازله عن هذا الشعور....أو بعدم احساسه بحلاوة مايمتلك....أعني كل من لا يهتم ...كل "اللي ملهمش فيها" وكل من يبدي انتماءات أخرى على انتماء الوطن....على فكرة...كل الانتماءات دي تتعوض بس والله الانتماء للوطن حاجة متتعوضش...والله العظيم متتعوضش

...أعني كل من فقد القدرة على الإستمتاع بوقته على أرضه...ويرى أن السعادة ستتحقق مع سفره...السعادة نتيجة للرضا....لا يعتمد أي منهما على المكانأعني كل من يرى "من في وجوههم حواديت" جهلة وناس تخوف وبلاش نروح مكان فيه ناس زي دي ويكره وسط البلد وإسكندرية والحسين عشان "مزحموين بالأشكال دي" ( ولا أعني بذلك أن حق الإعتراض على بعض التصرفات غير مكفول....لكن الحكم على الأشخاص هو ماأرفض)

أعني كل من لا يجد في صفحاته سطرا جميلا يذكر فيه اسم شارع في الوطن.....أو إسم أحد من يشاركونه الوطن....أو لا يرى في صورة الوطن جنة الله في الأرض....كم أشفق عليكم...فحالكم أصعب من اللاجئين...يبقى لهم أمل ولكن ماذا يبقى لكم؟

لا تترك شارعا بدون ذكرى حلوة حتى لو كانت آيس كريم بالفستق يطلع بالكانتلوب.....النعم لا تدوم ومحدش ضامن بكرة فيه إيه....استمتع بما تملك :)

The Egyptian Dream: A Horizon.

0 comments: