Pages

Monday, March 28, 2011

حكايتي مع البريد

صباح يوم جديد...صباح يوم مشرق.....كم جميل الإشراق! ولكن الشيء عندما يزيد عن حده...ينقلب ضده....فيصير الإشراق حرارة حارقة!

وبعد تحولي من الانتساب إلى المخروبة إلى الانتظام فيها....اصبحت أذهب اليها كل يوم...وإذا ابتلاك الله بعمل أو بيت أو أي شيء يجعلك تتوجه إلى قصر العيني فستعلم كم شاقة وطويلة رحلتي إن لم تكن بالمترو...وإن لم يكن بالمترو أي عطل...وهو امر نادر الحدوث في هذه الأيام

اعتزمت الذهاب لحضور محاضرة الباكتريا... ليس لأي سبب سوى اني أحب تلك المرأة اللطيفة التي لم أر منذ التحاقي بالمخروبة من يفعل ماتفعله ...فهي ديمقراطية لدرجة انها قامت بتصويت على نوعية الأسئلة التي ستكون في الامتحان النهائي...وإذا قرر الطلبة انهم لا يريدون نوعا معينا تقول: أنا باكتب عندي أهو...بلاش ده

نزلت قبل موعدي بـبعض الوقت حتى اتوجه إلى مكتب البريد الذي يبعد مسافة 10 دقائق سيرا على الأقدام من منزلي....وكنت اعتزمت ارسال "سي دي" إلى الامارات العربية المتحدة ......ولم التفت إلى قول احدى الصديقات: "البريد المصري يا مروة؟؟ لأ متحاوليش!"....وحكت لي قصتها المؤسفة عن انها حاولت مرات عديدة التعامل معه بدلا من شركات الشحن الأجنبية التي تكلفك الخدمة فيها مايزيد عن 5 أضعاف ماستدفعه في البريد المصري...ناهيك عن أنك إذا أردت تشجيع شركة وطنك فأنت تطلب لبن العصفور

قبلت التحدي.....وذهبت إلى مكتب البريد.....وبعد وقوفي بعض الوقت حتى اجد من يكلمني علمت بأن الموظفة "في ادها حاجة بتخلصها"...واتضح بعد ذلك ان ماكان في يدها سندوتش! ونظرا لتأخرها...اضطررت للذهاب وتوجهت إلى مكتب بريد آخر في المنيل....وهنا تبدأ الرحلة

إذا كنت من ركاب المترو اليوميين...فمن المؤكد أنك لاحظت ان سلوك الركاب يختلف مع اختلاف الوقت....فركاب الثامنة كلهم نشاط...أصحاب خطوات سريعة...لا تجد فيهم من يتلكأ أو يقف في اللا مكان بحثا عن اللا شيء
أما عن ركاب العاشرة....فهم الأسوأ على الاطلاق.....فتجد السيدات يسرن ببطء يثير الجنون....وكل رجل يقف ليتأمل الفراغ في حين تستشيط انت غضبا خاصة إذا كان عندك معيد هيكتبك غياب بعد 10 دقائق تأخير
ركاب ذلك الموعد الذي كنت فيه قليلون....أغلبهم سيدات وكبار في السن.....فأغلب الرجال في أعمالهم وليس من الطبيعي ان تجد من يبدأ يومه في الثانية عشرة

وصلت إلى وجهتي.....وملئت بالأسى حين علمت اني علي ان أتوجه إلى المكتب الرئيسي بالعتبة...فالمكاتب الفرعية ترسل أوراق وخطابات فقط....ولكنني اتصلت بالخط الساخن لخدمة العملاء بالأمس لأتأكد.....مايفيد شئ الآن

وكان علي الإختيار بين محاضرة الباكتريا ومكتب البريد.....فاخترت مكتب البريد...ولم تقلل ال"مشورة" من اصراري على استخدام البريد المصري.....بالعكس...قلت في نفسي يانا يانتوا!

عدت إلى المترو مرة أخرى...حبيبي المترو ده والله....وعند وصولي...اخذت أجوب في المحطة حتى أرى أي مخرج هو المخرج الصحيح...وللأمانة...لم أجد مكتب البريد في أي منهم...ولكنني قررت التوجه إلى مبنى الحماية المدنية ونبقى نشوف بعدين

كنت أسأل المارة كل خطوتين على مكان مكتب البريد.....وكانت الضوضاء في ميدان العتبة قاتلة.....كل بائع يسجل صوته ثم يترك نفسه ينادي في ذلك الشيء حتى لا يرهق صوته....وفي الميدان عشرات الباعة....حتى انني كدت أتمنى الصمم...ولماذا أتمنى؟ الانسان لا يتمنى ماقد تبعده عنه لحظات قليلة فقط... وصلت إلى مبنى يرمم....سألت بائعا أمامه فأخبرني أنه مكتب البريد...نعم....مكتب البريد الرئيسي لا يحمل لافتة

كل الأبواب مغلقة...هو النهاردة إيه؟ الإثنين...أجازة الحلاقين...أيوه يعني مادخل مكتب البريد بذلك؟ قررت دخول شارع جانبي لعلي أجد اية ملامح....وسبحان الله...طلع اسم الشارع "شارع البوسطة الجديدة"....ولم أفهم ماسر تسميتها بالبوسطة الجديدة مع إنها قدمت و بيرمموها

العجيب انني لم اجد بابا واحدا مفتوحا....ولكن سيارات البريد السريع جعلتني أواصل السير حتى وجدت مبنى مفتوح بعد مسافة 3 شوارع من الميدان.....سألت: "لو سمحت عايزة أبعت س دي لأبو ظبي"...رد رجل قائلا: الشارع اللي جاي يمين في يمين....

نعم...المكاتب تبعد عن بعضها شوارع! والله دون مبالغة. توجهت إلى ذلك المكان الذي اشار علي بالذهاب اليه: "لو سمحت عايزة أبعت س دي لأبو ظبي"...الدور اللي فوقينا..."لو سمحت عايزة أبعت س دي لأبو ظبي".....الشباك اللي جاي شمال...."لو سمحت عايزة أبعت س دي لأبو ظبي"....الأستاذ اللي قاعد هناك...."لو سمحت عايزة أبعت س دي لأبو ظبي".....اكثر من 8 مرات مثلا! حتى وصلت إلى رجل بشوش: "لو سمحت عايزة أبعت س دي لأبو ظبي"...."وماله...نبعت...بس كده؟"....انبسط وجهي وأشرقت ملامحي.....سألني الرجل: ده عليه فرح؟....فنفيت وقلت له لأ صور....صور إيه؟ مناظر طبيعية....دي فلوس اللي في العلبة؟ أيوه....10 دولار...لأ حضرتك ممنوع نحط فلوس في الظرف....طيب أعمل إيه؟....حوالة بريدية وهاتي الوصل نحطه مع السي دي

نزلت ماصعدت....ورجعت ماذهبت ...وبدأت رحلتي في الطواف حول مكتب البريد ولا كأنه الكعبة! وتجاهلني الموظفين بشكل غريب ....وبعد رحلة حول مبان وشوارع...علمت بأن الحوالات البريدية داخلية فقط.....لا ترسل إلى خارج البلاد

لم ار أمامي سوى كشك مكتوب عليه" امتلك يابن آدم من الدنيا ماشئت....فسيأتي يوم وتعود كما جئت"...وها أنا اعود كما جئت ومن حيث جئت....وقفت أتأمل السماء قليلا.....حتى لا اصعد للرجل البشوش فيحدث أحد شيئين.....إما ان أفقد أعصابي و "أتعصب عليه"....أو "أعيطله" وفي الحالتين لا ذنب له

هو أنا عليَّ بـإيه من ده كله؟ أنا هاروح أشحن في حتة تانية......لأ....مش هتنازل عن حقي بـسهولة كده...ولا اعلم ما السهولة في كده...وإذا سألتني كم اتسغرقني ذلك فسأجيبك لا اعلم......فوسط كل هؤلاء اللامبالين لم أستطع ان أقاوم عدوى اللامبالاه...نعم...بعض المشاعر تعدي وتنتقل بين الأشخاص مثل الخوف واللامبالاه والجبن والقلق

عدت إلى الرجل مرة أخرى....قال لي: إيه؟ طلع مفيش حوالة لأبوظبي؟ هززت رأسي بالايجاب....فرد قائلا: ماهو عندهم حق...يعني ياخدوا فلوس من اللي معندوش يدوا للي على قلبه اد كده؟....رددت: طب واللي له مصلحة هناك يعمل إيه؟أنا هشحن السي دي.....والفلوس هوديها البنك...رغم علمي بأنني إذا أردت تحويل هذا المبلغ في "ويسترن يونيون" مثلا...سأدفع حوالي 4 أضعافه كرسوم

قال الرجل: اكتبي اسمك وعنوانك وعنوان المرسل اليه وعنوانه.....كتبت البيانات المطلوبة فنظر إلي: "مسابقة تصوير؟ إنتي خريجة فنون تطبيقية؟" قلت لا....طالبة صيدلة...سألني وما دخل الصيدلة بالتصوير...أجبت بأنها هواية....وان هذه أعمالي التي أشارك بهـا وان ال10 دولارات كانت رسوم الاشتراك....
نظر الرجل إلى أحد الموجودين بالمكتب قائلا: "أستاذ محمود....احنا ماشفناهاش....والمصنفات كمان مشفتهاش"...هز الأستاذ محمود رأسه موافقا...ثم التفت الرجل مرة أخرى لي قائلا: "مروة...احنا ماشفناهاش".....ضحكت ووافقت...فقد لا أجد من يقبل ارسال مثل هذا المبلغ الصغير......

قام الرجل بوزن الظرف فوجد وزنه 90 جراما.....تذكرت مندوب خدمة العملاء الذي سألني كم وزن السي دي ....قلت له جرامات لا تصل إلى المائة...فرد: "يعني أقل من نصف كيلو؟"....فلم اعرف بما أجيبه

تسلمت الإيصال....وعلمت ان الظرف سيصل في حوالي 3 أيام.....انصرفت شاكرة الرجل الذي قال: "إن شاء الله هتكسبي يا مروة (وكان يكثر من استخدام اسمي وكأنه يعرفني)....بس ابقي هاتيلي حاجة حلوة"...فرددت قائلة: "أيوه طبعا إن شاء الله"...فقال: "يا سلام؟"....فرددت ضاحكة: "هتشوف" ....فقال:"هنشوف"...وأشهد الله أنني انتويت ذلك فعلا.....فلم أر أحد في ذلك المكان اللعين الذي يمتد مسافة شوارع يود المساعدة كهذا الرجل...ولم ابن انطباعي هذا على مساعدته لي فقط......بل على مساعدة وحسن معاملة كل من جاء

لم أكتب هذه المقالة حتى أنفر الناس من هيئة البريد والهيئات الحكومية عامة.....لأنى على قناعة على أننا مشتركون في الجريمة بسكوتنا (لقد قررت ان أتقدم بشكوى في خدمة العملاء و تلك المرأة التي تركتني دون رد حتى تنتهي من وجبة الافطار)...وأننا "بنستسهل" ونلجأ إلى شركات القطاع الخاص ونتنازل عن حقوقنا......وأرى ان من يتنازل عن حقه يتساوى في الخطأ مع من سلبه حقه

كتبت هذه المقالة لأنني انصرفت ادعو لهذا الرجل بصدق ....وما زلت ادعو له حتى لحظتي هذه....."اعمل خير وارميه في البحر" فلا تعلم من يذكرك بالخير بعدها أو يدعو لك....وكم من عمل صغير تفعله وسط مكان فاسد فيبقى لك رغم اعتقادك انه لا يؤثر....وكم من قول قلته يؤثر في أشخاص كثيرين رغم عدم اكتراثك لذلك

المفاجأة.....وصلت وحضرت محاضرة الباكتريا :)

1 comments:

Sophia's Lover said...

Sizzling hot chocolate
and coffee with a dash of liquer.
A snowfall
winter in paris
chocolate chaux en hiver
ballet slippers hanging from
the ballet bars
a grammophone left playing
while no ones in the room.