Pages

Saturday, April 2, 2011

"يعني أنت اللي حقاني قوي؟"

"باطل....باطل....باطل"....
أصوات تعالت في محطة مترو انور السادت....وامتزجت بـأصوات الطبول و كانت أعلام مصر ترفرف في كل انحاء المكان.....و انطلقت مسيرة يبدو انها احتجاجية داخل محطة المترو......ولم أستطع ان أفهم مطالب تلك المسيرة....ولكنه كان من الواضح جدا انها ليست مطالب سياسية فالمترو ليس بالمكان المناسب لهذا النوع من المظاهرات...و يفصلهم عن الميدان...قلب المظاهرات سلالم معدودة....ولم افهم "إيه هو اللي باطل؟"...فلم يقل هؤلاء كلمة سوى باطل.....لعلها نتيجة مبارة مصر وبتسوانا...فكل من "هب ودب" يخرج في مظاهرة...حتى ان طلبة المرحلة الاعدادية في مدرسة أخي خرجوا في مظاهرة حتى يسمح لهم بالذهاب بغير الزي المدرسي

لم أكترث كثيرا بهؤلاء....وذهبت إلى الرصيف ...تحديدا إلى مكان "عربة السيدات"....حيث توجد لافتة كبيرة يكتب عليها "سيدات فقط"...لذلك عدد السيدات اللاتي يقفن تحتها أقل من نصف عدد الرجال...حتى انني اعتقدت انني اخطأت فبدأت بمراجعة اللافتات مرة أخرى....وتذكرت يوم كانت اكبر "خناقة" لي في هذا المكان كاد حينها شخص ان يشتمني أو حتى يضربني لولا تدخل سيدات لتوبيخه بكلمات مثل عيب كده و غيرها بكلمات لم ترق إلى مستوى "الخناقة" ( وعادة لا يرتقي رد فعل هؤلاء السيدات إلى مستوى الحدث....فعندما امسك الناس بأحد الحرامية على الرصيف...صحن هن بجمل مثل "اخص عليك" و "ياه...بلطجي!")....وكان سبب المشكلة أنني طلبت منه النزول من عربة السيدات رفض....ورفع صوته فرددت قائلة: "أنت مش مكسوف من نفسك وانت راكب عربية الستات وواحدة بتقولك تنزل عشان دي عربية ستات وانت بتقولها لأ؟"...و كان وجه اعتراضه "واشمعنا إنتي اللي جاية تتكلمي يعني! إنتي اللي حقانية قوي؟"....أيوه أنا اللي حقانية قوي....ولم اعلم لماذا رباني أهلي على ذلك رغم خوفهم الشديد علي الآن......مش اكبر مشاكلنا


ركبت المترو...ووصلت إلى وجهتي...وبينما أنا في طريقي إلى السلم...لمحت صبيا بين العاشرة والثانية عشرة يحمل حقيبة على ظهره...وأمامه سيدة عجوز......لم اتبين الا انه كان يسخر منها لعدم قدرتها على صعود السلم...وجدت نفسي أشده من حقيبته وكأنني اشد فأرا من ذيله....فـظهرت المفاجأة على وجهه....فلا اعتقد انه كان يتوقع ابدا انه سيقع في قبضة من تكبره بـعشرة أعوام فقط....فقلت بنبرة هادئة: "تعتذرلها ومتتكررش تاني....فاهم؟".....هز رأسه وفعل...ثم خرج راكضا حتى اني لم اعد اره في ظرف لحظات....و رغم أنني أرى انه قد لا يكون ذلك الأسلوب الافضل....لم اكترث لانني كنت بالنسبة له اسخف كائن على الأرض...ولا استبعد انه كان يقول في داخله "وهي مالها"...أو مثل ذلك الذي كان يكبره قليلا "يعني أنت اللي حقانية قوي؟"......ولو كان أحد أبويه معه لصرخ في وجهي بنفس الكلام ولما قالوا لإبنهم كلمة واحدة! رغم ان الحق من عليه....الحق على من لم يعلمه ان الكبير له احترامه ووقاره....ولكن ظاهرة : "أنا بس اللي أزعق لإبني " انتشرت لدرجة تثير الاشمئزاز! ووالله لو كان أخي في ذلك الموقف (لن اضرب المثل بالأبناء...فقد يكون الوضع مختلفا).....لكنت في وضع المعتذر ..ولتنمنيت ان تنشق الأرض وتبلعني حتى ينتهي ذلك الموقف.....واعتقد ان أمي نفسها كانت تفعل ذلك ايضا

اذكر كلام أحد التشكيليين الانجليز الذي يعيش في مصر من 7 سنوات حين قال لي: " سمة لم أرها في مكان آخر كما رأيتها في مصر ....احترام وتقدير كبار السن...حتى أنني أعتقد انكم مش شدة تقديركم لهم....تأباون أن تجعلوهم يتركون مناصبهم لمن هو اصغر منهم سنا...رعم أنني أرى السبيل الوحيد إلى التقدم هو ان يتم تغيير تلك "المدرسة القديمة" بشباب جدد في المناصب الرفيعة"

أرى كم تنهار قيم كثيرة....ولكن انهيار قيمة تقدير المرأة وتقدير الكبير انهيار لسمتين أساسيتين في المجتمع المصري بـطابعه الشرقي الإسلامي....وأرجع أنا ذلك إلى وجود خلل في التربية و في ثقافة الفرد....وتحولنا إلى مجتمع مادي...ولا اعني بذلك ان الاهتمام الأول هو المال كما قد يتصور أصحاب الآفاق الضيقة...ولكن أعني انتظار المقابل في كل شيء

عند عبور الشارع يجعل الشخص غيره في مواجهة السيارات حتى إذا صدم أحد يكن هو بمأمن عن ذلك (وغالبا اللي بيعمل كده بيبقى راجل).....أو تجد شابا يقود سيارة وماشي عكس الاتجاه ...فـإذا قابله رجل كبير أو سيدة...مش يستذوق ويرجع هو؟ لأ إزاي! ولو واقف في طابور وجه حد كبير دور بقى على اللي هيوسعله.....واسمع الكلاكسات من العربيات اللي وراك لو فكرت تقف تعدي حد!

الإنسان بطبعه يختار الأسهل....وإن تنافى مع مايجب فعله...فتجده يكره الالتزام والقوانين.....أنانيا يفضل نفسه على كل من على هذا الكوكب....ومن هنا كانت حكمة الخالق في ايجاده الثواب والعقاب...والقواعد التي يردع العقاب كل من يخل بها....و من تلك القواعد احترام الآخرين...وتقدير الكبير....ومن ضمن تلك القواعد ايضا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر....و يذكر القرآن ان الله غضب على بني اسرائيل لأنهم "كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ"

في جيلنا...نعتبر من يدافع عن الحقوق متطفلا.....ومن يبلغ عن المخطئين ندل و "فتان" (ولا يفهم الكثيرون المعنى الحقيقي للفتنة اصلا)...والعادل بلا قلب ولا رحمة....رغم انه لا يوجد تعارض بين العدل والرحمة....فالله عدل....وفي الوقت ذاته رحمن رحيم


كيف يربي جيل يفتقر تلك القيم جيلا آخر لا يفتقر اليها؟ كيف ستزرع في طفلك المسئولية وانت اصلا غير مسئول؟ كيف ستربيه على احترام الغير وأنت لا تحترم من حولك؟ فاقد الشيء لا يعطيه....فإذا أردت ان تغير من حولك فـعليك ان تكون انت الصورة التي تريد ان يكون العالم عليها.....كن حقاني على نفسك وعلى غيرك ولا تترك من حولك يتحكم في مصير جيلك والأجيال القادمة من بعدك

0 comments: